فصل: الخبر عن بني فاتن من ضريسة إحدى بطون البرابرة البتر وتصاريف أحوالهم.

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: تاريخ ابن خلدون المسمى بـ «العبر وديوان المبتدأ والخبر في أيام العرب والعجم والبربر ومن عاصرهم من ذوي السلطان الأكبر» (نسخة منقحة)



.الخبر عن بني فاتن من ضريسة إحدى بطون البرابرة البتر وتصاريف أحوالهم.

وهم بطون مضغرة ولماية وصدينة وكومية ومديونة ومغيلة ومطماطة وملزوزة ومكناسة ودونة وكلهم من ولد فاتن بن ممصيب بن حريس بن زحيك بن مادغيس الأبتر ولهم ظهور من البرابر وأخبار نسردها بطنا بطنا إلى آخرها.
مضغرة: وهم من أوفر هذه الشعوب وكانوا خصاصين آهلين وكان جمهورهم بالمغرب منذ عهد الإسلام نشبوا في نشر الردة وضرو بها وكان لهم فيها مقامات ولما استوسق الإسلام في البربر أجازوا إلى فتح الأندلس وأجازت منهم أمم واستقروا هنالك ولما سرى دين الخارجية أجازوا إلى فتح الأندلس وأجازت منهم أمم واستقروا هنالك.
ولما سرى دين الخارجية في البربر أخذ مضغرة هؤلاء برأي الصفرية وكان شيخهم ميسرة ويعرف بالجفير مقدما فيه.
ولما ولى عبيد الله بن الحبحاب على أفريقية من قبل هشام بن عبد الملك وأمره أن يمضي إليها من مصر فقدمها سنة أربع عشرة ومائة واستعمل عمر بن عبد الله المرادي على طنجة والمغرب الأقصى وابنه إسماعيل على السوس وما وراءه واتصل أمر ولائهم وساءت سيرتهم في البربر ونقموا عليهم أحوالهم وما كانوا يطالبونهم به من الوصائف البربريات والأردية العسلية الألوان وأنواع طرف المغرب فكانوا يتغالبون في جمعهم ذلك وانتحالة حتى كانت الصرمة من الغنم تهلك بالذبح لاتخاذ الجلود العسلية من سخالها ولا يوجد فيها مع ذلك إلا الواحد وما قرب منه.
فكثر عيثهم بذلك في أموال البربر وجورهم عليهم وامتعض لذلك ميسرة الحسن زعيم مضغرة الحسن وحمل البرابرة على الفتك بعمر بن عبد الله عامل طنجة فقتلوه سنة خمس وعشرين ومائة وولى ميسرة مكانه عبد الأعلى بن خديم الأفريقي الرومي الأصل كان من موالي العرب وأهل خارجيتهم وكان يرى رأي الصفرية فولاه ميسرة على طنجة وتقدم إلى السوس فقتله عامله إسمعيل بن عبد الله واضطرم المغرب نارا وانتقض أمره على خلفاء المشرق فلم يراجع طاعتهم بعد.
وزحف بعض الحجاب إليه من القيروان في العساكر على مقدمة خالد بن أبي حبيب الفهري فلقيهم ميسرة في جموع البرابرة فهزم المقدمة واستلحمهم وقتل خالد.
وتسامح البربر بالأندلس بهذا الخبر فثاروا يعاملهم عقبة بن الحجاج السلولي وعزلوه وولوا عبد الملك بن قطن الفهري وبلغ الخبر بذلك إلى هشام بن عبد الملك فسرح كلثوم بن عياض المري في إثني عشر ألفا من جنود الشام وولاه على أفريقية وأدال به من عبيد الله بن الحبحاب (القسم الثاني المجلد السادس) وزحف كلثوم إلى البرابرة سنة ثلاث وعشرين ومائة حتى انتهت مقدمته إلى اسبو من أعمال طنجة فلقيه البرابرة هنالك مع ميسرة وقد فحصوا عن أوساط رؤسهم ونادوا بشعار الخارجية فهزموا مقدمته ثم هزموه وقتلوه.
وكان كيدهم في لقائهم إياه وملؤا الشنان بالحجارة وربطوها بأذناب الخيل تنادي بها فتقعقع الحجارة في شنانها وسربت بمصاف العساكر من العرب فنفرت خيولهم واختل مصافهم وانجرت عليهم الهزيمة فافترقوا وذهب بلج مع الطلائع من أهل الشام إلى سبتة كما ذكرناه في أخبارهم ورجع إلى القيروان أهل مصر وأفريقية وظهرت الخوارج في كل جهة واقتطع المغرب عن طاعة الخلفاء إلى أن هلك ميسرة وقام برياسة مضغرة من بعده يحيى بن حارث منهم وكان خلفا لمحمد بن خرز ومغراوة ثم كان من بعد ذلك ظهور إدريس بالمغرب فقدم بها البرابرة وتولى كبرها أوربة منهم كما ذكرناه وكان على مضغرة يومئذ شيخهم بهلول بن عبد الواحد فانحرف مالك عن إدريس إلى الطاعة هرون الرشيد بمداخله إبراهيم بن الأغلب عامل القيروان فصالحه إدريس وأنبأه بالسلم.
ثم ركد ريح مضغرة من بعد ذلك وافترق جمعهم وجرت الدول عليهم أذيالها واندرجوا في عمال البربر الغارمين لهذا العهد بتلول المغرب وصحرائه.
فمنهم ما بين فاس وتلمسان أمم يتصلون بكومية ويدخلون حلفهم واندرجوا من لدن الدعوة الموحدية منهم ورياستهم لولد خليفة كان شيخهم على عهد الموحدين وبنى لهم حصنا بمواطنهم على ساحل البحر سمى تاونت ولما انصرفت دولة بني عبد المؤمن واستولى بنو مرين على المغرب قام هرون بن موسى بن خليفة بدعوة يعقوب بن عبد الحق سلطانهم وتغلب على ندرومة وزحف إليه يغمراسن بن زيان فاسترجع ندرومة من يده وغلبه على تاونت ثم زحف يعقوب بن عبد الحق إليهم وأخذها من أيديهم وشحنها بالأقوات واستعمل هرون ورجع إلى المغرب فحدث هرون نفسه بالاستبداد فدعا لنفسه معتصما بذلك الحصن خمس سنين.
ثم صاهره يغمراسن واستنزله على صلح سنة اثنتين وسبعين وستمائة ولحق هرون بيعقوب بن عبد الحق ثم أجاز إلى الجهاد بإذنه واستشهد هنالك وقام بأمر مضغرة من بعده أخوه تاشفين إلى أن هلك سنة ثلاث وسبعمائة واتصلت رياستهم على عقبه لهذا العهد.
ومن قبائل مضغرة أمة بجبل قبلة فاس معروف بهم ومنهم أيضا قبائل كثيرون بنواحي سجلماسة وأكثر أهلها منهم وربما حدثت بها عصبية من جراهم.
ومن قبائل مضغرة أيضا بصحراء المغرب كثيرون نزلوا بقصورها واغترسوا شجرة النخل على طريقة العرب فمنهم بتوات قبلة سجلماسة إلى تمنطيت آخر عملها قوم كثيرون موطنون مع غيرهم من أصناف البربر.
ومنهم في قبلة تلمسان وعلى ستة مراحل منها وهي قصور متقاربة بعضها من بعض ائتلف منها مصر كبير مستبحر بالعمران البدوي معدود في آحاد الأمصار بالصحراء ضاح من ظل الملك والدول لبعده في القفر ورياسته في بني سيد الملك منهم وفي شرقيها وعلى مراحل منها قرى أخرى متتابعة على سمتها متصاعدة قليلا إلى الجوف آخرها على مرحلة من قبلة جبل راشد.
وهي في مجالات بني عامر من زغبة وأوطانهم من القفر وقد تملكوها لحظ أبنائهم وقضاء حاجاتهم حتى نسبت إليهم في الشهرة وفي جهة الشرق على هذه القصور وعلى خمس مراحل منها دامعة متوغلة في القفر تعرف بقليعة.
الآن يعتمرها رهط من مضغرة هؤلاء وينتهي إليها ظواعن عن الملثمين من أهل الصحراء بعض السنين إذا لفحهم الهجير يستبردون في تلوها لتوغلها في ناحيتهم ومن مضغرة هؤلاء أوزاع في أعمال المغرب الأوسط وأفريقية ولله الخلق جميعا.
لماية وهم بطون كما ذكرناه أخوه مضغرة ولهم بطون كثير عد منها سابق وأصحابه بنو زكرمار ومزيزة ومليزة بنو مدينين كلهم من لماية وكانوا ظواعن بأفريقية والمغرب وكان جمهورهم بالمغرب الأوسط موطنين بسحومة مما يلي الصحراء.
ولما سرى دين الخارجية في البربر أخذوا برأي الاباضية ودانوا به وانتحلوه وانتحله جيرانهم من مواطنهم تلك من لواتة وهوارة وكانوا بأرض السرسو قبلة منداس وزواغة وكانوا في ناحية الغرب عنهم وكانت مطماطة ومكناسة وزناتة جميعا في ناحية الجوف والشرق فكانوا جميعا على دين الخارجية وعلى رأي الاباضية منهم وكان عبد الرحمن بن رستم من مسلمة الفتح وهو من ولد رستم أمير الفرس بالقادسية وقدم إلى أفريقية مع طوالع الفتح فكان بها وأخذ بدين الخارجية والاباضية منهم وكان صنيعة للمتة وحليفا لهم.
ولما تحزب الاباضية بناحية طرابلس منكرين على ورفجومة فعلهم في القيروان كما مر واجتمعوا إلى ابن الخطاب عبد الأعلى بن السمح المغافري إمام الاباضية فملكوا طرابلس ثم ملكوا القيروان وقتل واليها من ورفجومة عبد الملك بن أبي الجعد وأثخنوا في ورفجومة وسائر مغراوة سنة إحدى وأربعين ومائة ورجع أبو الخطاب والاباضية الذين معه من زناتة وهوارة وغيرهم بعد أن استخلف على القيروان عبد الرحمن بن رستم وبلغ الخبر بفتنة ورفجومة هذه واضطراب الخوارج من البربر بأفريقية والمغرب وتسلقهم على الكرسي للإمارة بالقيروان إلى المنصور أبي جعفر فسرح محمد بن الأشعث الخزاعي في العساكر إلى أفريقية وقلده حرب الخوارج بها فقدمها سنة أربع وأربعين ومائة ولقيهم أبو الخطاب في جموعه قريبا من طرابلس فأوقع به ابن الأشعث وبقومه وقتل أبو الخطاب وطار الخبر بذلك إلى عبد الرحمن بن رستم بمكان إمارته في القيروان فاحتمل أهله وولده ولحق باباضية المغرب الأوسط من البرابرة الذين ذكرناهم ونزل على لماية لقديم حلف بينه وبينهم فاجتمعوا إليه وبايعوا له بالخلافة وائتمروا في بناء مدينة ينصبون بها كرسي لإمارتهم فشرعوا في بناء مدينة تاهرت في سفح جبل كزول السياح على تلول منداس واختطوها على وادي ميناس النابعة منه عيون بالقبلة وتمر بها وبالبطحاء إلى أن تصب في وادي شلف فأسها عبد الرحمن بن رستم واختطها سنة أربع وأربعين ومائة فتمدنت واتسعت خطتها إلى أن هلك عبد الرحمن وولي ابنه عبد الوهاب من بعده وكان رأس الأباضية.
وزحف سنة ست وسبعين ومائة مع هوارة إلى طرابلس وبها عبد الله بن إبراهيم بن الأغلب من قبل أبيه فحاصره في جموع الاباضية من البربر إلى أن هلك إبراهيم بن الأغلب واستقدم عبد الله بن الأغلب لإمارته بالقيروان فصالح عبد الوهاب على أن تكون الصباحية لهم وانصرف إلى مقوسة ولحق عبد الله بالقيروان وولى عبد الوهاب ابنه ميمونا وكان رأس الاباضية والصفرية والواصلية وانصرف إلى مقوسة والصفرية والواصلة وكان يسلم عليه بالخلافة وكان أتباعه من الواصلية وحدهم ثلاثين ألفا ظواعن ساكنين بالخيام ولم يزل الملك في بني رستم هؤلاء بتاهرت وحازتهم جيرانهم من مغراوة وبني يفرن على الدخول في طاعة الأدارسة لما ملكوا تلمسان وأخذت بها زناتة من لدن ثلاث وسبعين ومائة فامتنعوا عليهم سائر أيامهم إلى أن كان استيلاء أبي عبد الله الشيعي على أفريقية والمغرب سنة ست وسبعين ومائة فغلبهم على مدينة تاهرت وأبتزهم ملكهم بها وبث دعوة عبد الله في أقطار المغربين فانقرض أمرهم بظهور هذه الدولة وعهد عروبة بن يوسف الكتامي فاتح المغرب للشيعة على تاهرت لأبي حميد دواس بن صولان الهيصي فغدا إلى المغرب سنة ثمان وتسعين ومائة فأمحى في مؤامرتها الاباضية من لماية وازداجة ولواتة ومكناسة ومطماطة وحملهم على دين الرافضة وشيخ بها دين الخارجية حتى استحكم في عقائدهم ثم وليها أيام إسماعيل المنصور ابن صلاص بن حبوس.
ثم نزع إلى دعوة الأموية وراء البحر ولحق بالخير بن محمد بن خزر صاحب دعوتهم في زناتة واستعمل المنصور بعده على تاهرت ميسورا الحصني مولاه وأحمد بن الزجالي من صنائعه فزحف إليها حميد والخير وانهزم ميسور واقتحموا تاهرت عنده وتعصبوا على أحمد الزجالي وميسور إلى أن أطلقوهما بعد حين.
ولم تزل تاهرت هذه بعد لأعمال الشيعة وصنهاجة سائر أيامهم وتغلب عليها زناتة مرارا ونازلها عسكر بني أمية راجعة في أثر زيري بن عطية أمير المغرب من مغراوة أيام أجاز المظفر بن أبي عامر من العدوة إلى حربه ولم يزل الشأن هذا إلى أن انقرض أمر تلك الدول وصار أمر المغرب إلى لمتونة ثم صار إلى دولة الموحدين من بعدهم وملكوا المغربين وخرج عليهم بنو غانية بناحية قابس ولم يزل يجيء منهم جلب على ثغور الموحدين وشن الغارات على بسائط أفريقية والمغرب الأوسط وتكرر دخوله إليها عنوة مرة بعد أخرى إلى أن احتمل سكانها وخلا جوها وعفا رسمها لما يناهز عشرون من المائة السابعة والأرض لله.
وأما قبائل لماية فانقرضوا وهلكوا بهلاك مصرهم الذي اختطوه وحازوه وملكوه سنة الله في عباده وبقيت فرق منهم أوزاعا في القبائل ومنهم جربة الذين سميت بهم الجزيرة البحرية تجاه ساحل قابس وهم بها لهذا العهد وقد كان النصرانية من أهل صقلية ملكوها على من بها من المسلمين وهي قبائل لماية وكتامة مثل: جربة وسدويكس ووضعوا عليهم الجزية وشيدوا على ساحل البحر بها معقلا كافيا لإمارتهم سموه القشتيل وطال تمرس العساكر به من حضرة الدولة الحفصية بتونس حتى كان افتتاحها أعوام ثمان وثلاثين من المائة الثامنة في دولة مولانا السلطان أبي بكر وعلى يد مخلوف بن الكماد من صنائعه واستقرت بها الدعوة الإسلامية إلى هذه العهد إلا أن القبائل الذين بها من البربر لم يزالوا يدينون لدين الخارجية ويتدارسون مذاهبهم مجلدات تشتمل على تآليف لأئمتهم في قواعد ديانتهم وأصول عقائدهم وفروع مذاهبهم يتناقلونها ويعكفون على دراستها وقراءتها والله خلقكم وما تعملون.